عندما فكرت في كتابة هذه المحاولة نازعتني عوامل كثيرة، منها المشجع الذي يدفعك إلى ما أنت مقدم عليه باعتباره في صالح البشرية وهدايتها إلى الخير والصلاح، ومنها المثبّط الذي ينذرك بأسوأ العواقب، ذلك أنك بالرغم من حسن نواياك وما تريده من خير لبني جنسك، فإنك تدخل في مجال متعلق بالأديان والعقائد، وهذه الساحة، من غير شك، تزخر بأنماط متعددة من البشر، فمنهم من يلتزم بالقاعدة القرآنية، (لكم دينكم ولي دين)، والأقوال المأثورة، من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وقول الآخر، رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب، ولكن هناك أيضا من يدفعه تعصّبه لمعتقداته إلى العنف والإجرام ضدّ من يخيّل إليه أنه قام بالمساس بتلك المعتقدات والعقائد.
هذا وبالرغم أن صاحب هذه المحاولة إنما يهدف في جوهر محاولته هذه إلى إيجاد نوع من التناغم والتفاهم بين هذه العقائد المختلفة بالوصول إلى أعماق هذه العقائد والهدف الأساسي من وصولها إلى البشر في أنحاء الأرض، وذلك لهدف سامي نبيل هو وحدة البشرية وسلامها وخلق التعاون فيما بينها، للوصول إلى إدراك سرّ عظمة هذا الكون وما أوجد الخالق فيه من أسرار، أقول بالرغم من ذلك، فإن الغالب والسائد بين الناس هو تمسكهم الأعمى بما عاشوا وشابوا عليه، ولا يحاول أغلبهم أو ربما جميعهم التعمق في العقيدة التي ينتسبون إليها، فترى اليهودي أنه يهودي لأنه ولد في أسرة يهودية، والمسيحي هو مسيحي لكونه ولد في أسرة مسيحية، وكذلك المسلم هو مسلم لكونه جاء من أبوين مسلمين، وهكذا البوذي والهندوس والزردشتي. الكل يتمسك بما ورثه عن آبائه وأجداده بطريقة عنجهية غائمة عمياء، كانت باستمرار الوسيلة والأداة إلى الكراهية والعنف والدماء التي تجري هنا وهناك بطريقة جاهلية جهولة، المفروض على عقلاء الأرض أن ينتبهوا إلى أخطارها، خصوصا أننا بلغنا القرن الحادي والعشرين مزوّدين بالقنابل الذرية التي لو انطلقت لكان ذلك فناء هذا العالم حتما. ولعل أيضا أن أحد الدوافع الذي دفعني إلى هذه المحاولة هو ما يجري منذ أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن في المنطقة العربية التي يسمونها الشرق الأوسط، من اعتداءات وغزوات غربيّة، ذات الطابع الصليبي الصهيوني - المخالف لشرائع موسى وعيسى عليهما سلام الله – هذا الطابع الخبيث الذي عشّش في أمريكا وبعض أرجاء أوروبا مستهدفا هذه المنطقة التي هي مهد الحضارات والرسالات السماوية. وقد يكون الهدف الأساسي من هذه الهجمة الوحشية الظالمة هو الهيمنة على الطاقة البترولية السائدة بها، والحيلولة بينها وبين شعوب الشرق من تطويرها واتخاذ الأبعاد المختلفة للاستفادة منها، وقد يكون الهدف أيضا هو إغلاق منافذ رسالة الإسلام التي بدأت في الانتشار بطريقة ملحوظة في العالم الغربي. وأغلب الظن أن هذه الأهداف الشريرة يلازم بعضها بعضا وتجري في جحيم شيطاني يلتهب حقدا وكراهية ضد هده المنطقة المقدسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
على أي حال إن هذه المحاولة ليست موجهة لأصحاب الأديان والعقائد فقط، بل هي موجهة بوجه خاص أيضا إلى أولئك الناس الذين انفلتوا من كل دين أو عقيدة، ذلك أن هذه الجماعات التي تدعي الذكاء وتدمغ غيرها بالسذاجة هي في الواقع قد غرقت في ماديتها، ربما لدوافع مشبوهة قد تكون الغريزة الجامحة إحدى جذورها ودوافعها، ولا شك أن هذه المادية العمياء هي إحدى الكوارث التي تواجه المجتمع البشري في جميع أنحاء الأرض، ففي هذه الأجواء المادية المريضة أنتشر الانفلات الجنسي الذي لا تحده الأصول والقواعد المحافظة على الخليّة الأولى في المجتمع، التي هي الأسرة والكيان الأسري، ممّا أدّى إلى انهيار القيم والمبادئ وانطلقت الأهواء والنوازع الحيوانية تمرح كما تشاء، فساد الزواج المثلي وعبادة الشيطان، إلى غير ذلك من التشوهات المرعبة، وفي ذلك ما فيه من أخطار وشرور تصيب البشريّة أجمعها. إن هؤلاء الناس عليهم أن يدركوا أن العقل البشري مهما حام هنا وهناك وخاض بحر الريّب والشكوك في كل العقائد والأديان فلا بدّ له في آخر الأمر أن يقف أمام ذلك السؤال المعجز الضخم وهو، هل هذا الكون بكل اتساعه وضخامته وأسراره قد جاء اعتباطا من لا شيء ؟؟!! ألا ينظر هؤلاء الناس كيف وجدوا في هذه الأرض؟؟؟!! وكيف تطوروا من (الأميبا) أو الخلية الأولى حتى صاروا أناسا يجادلون ويتشككون ؟؟!! إن معجزة الخلق في مراحله المتعددة التي نشاهدها تتكرر كل يوم أمامنا تعتبر إحدى الآيات الكبرى لذوي الألباب، ألا فكّر أحدنا في تتبع مراحل هذه الصورة الرائعة المذهلة في التقاء الحيوان المنوي مع البويضة في رحم الأنثى ليكوّن الخلية الأولى التي تتطوّر حتى تصير جنينا حيّا متحركا في بطن أمه، والمعجز في ذلك أن هذا الجنين الحيّ المتحرك يستمرّ في هذا الوضع إلى الشهر التاسع أي لمدة خمسة أو ستة أشهر أخرى بعد حركته الأولى يعيش في وسط مائي ليس فيه أيّ بارقة من الهواء الذي تتنفسه كل المخلوقات البرية والجوية والذي لو غاب عنها لمدة دقيقتين تكون قد فارقت الحياة!!! أي أن هذا الجنين في بطن أمه يعيش كالأسماك في الماء!!! فإذا ولد وتنفّس الهواء يكون الصراخ هو ديدنه ثم الرضاع وما يترتب عن هذا الرضاع من مخلفات هو لا يدري بها، فهو كالمخلوقات العجماء في هذه المرحلة، وتتحمّل أمه المسكينة تنظيفه من ساعة إلى أخرى، فإذا بدأ يتحرك في الشهر الثالث أو الرابع تكون حركته هو الزحف كما تزحف الحيوانات الزاحفة، ومع مرور الأيام تصير حركته على أربع مثل هذه المخلوقات السائمة، ويبقى كذلك إلى السنة الأولى من حياته حيث سيقف على قدميه ويبدأ في النطق بكلمتي بابا وماما وشيئا فشيئا وتمرّ الأشهر والأيام ليصير إنسانا مدركا. ألا تدلّ هذه الصورة الموجزة جدا إلى كيفية تطوّر البشرية، حيث خلق الخالق الخلية الأولى في المياه الراكدة وتطورت مع ملايين ملايين الأحقاب من المخلوقات المائية إلى الزواحف إلى الطيور والثدييات إلى...... حتى صارت هذا الإنسان المغرور بنفسه، ألا تعطي هذه الصورة الموجزة مرة أخرى بعض التأكيد لنظريّة التطور التي جاء بها داروين، كما تؤكد قوله تعالى في كتابه العزيز من سورة نوح (وقد خلقكم أطوارا)، وقوله (وجعلنا من الماء كل شيء حيّا)، ثم ألا يبعث هذا كلّه على التأمّل والتفكير بعمق في أصولنا ووحدة نشأتنا وأنه مهما كانت خلافاتنا فإننا لن نستطيع أن نخرج عن وحدة أصولنا، كلكم لآدم وآدم من تراب!!
إننا في هذه المحاولة نحب أن نقول لإخواننا في كل مكان في العالم لسنا ضدّ من يخالفنا في العقيدة، فالعقائد المختلفة من يهودية ومسيحية وإسلامية الخ... إنما تنبثق من مشكاة واحدة، كما قال في سالف الزمان، ذلك الملك الحبشي المسيحي العظيم، كما أننا لسنا ضدّ المتشككين، فالشك في رأينا هو الطريق إلى اليقين، ولكن هناك فرقا شاسعا بين الشك والحسم، أي أن هناك فرقا بأن تشك في الرسالة السماوية وتبحث في ملابسات قيامها وتواجدها، أو أن تحسم الأمر بإنكارها بتاتا!! فالحسم في مثل هذه الأمور الخطيرة التي قد يستحيل فيها الحسم هو نوع من التهور وعدم الشعور بالمسئولية في اتخاذ القرار!!! وعلى أي حال فإننا نعتقد أن الإنسان مهما سبح في بحور الشك فلا مناص ّله في آخر الأمر من الرجوع إلى شاطئ اليقين، فالواقع والواضح هو أن هذه الرسالات الدينية في جوهرها ما قامت وتطورت وانتشرت إلا لخير البشرية وصلاحها، هذا وإن كان بعض أبنائها قد تنكّبوا الطريق وساحوا في قشور هذه العقائد دون جوهرها، فإن الأمل ما زال قائما للرجوع إلى المقاصد الأساسية من هذه الرسالات وما احتوته من آمال عظام، ونحن على أساس هذه الآمال سطرنا هذه الحروف والكلمات، وبالله الواحد الأوحد السداد والتوفيق.